أخرج الإمام ابن حبان في صحيحه عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام مرَّ بعُمير بن سعد وهو يُعذِّبُ الناس في الجزية في الشمس فقال : يا عُمير ،إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" .
وهل تخطيء عين ما تتلظى به الأمة من ألوان وصنوف العذابات التي لا نكاد ننام إلا على جديد منها ولا نصحو إلا على ما هو أشد وأنكى، حتى وصلت نيران الفتن عندنا إلى من كان يظن فيه أنها من حصون العدالة الباقية بعد ان افترش العامة والخاصة أعتاب المجالس التشريعية التي فُزِّعوا عنها بأقبح أسلوب وأرذل وسيلة، تلك الألوان التي سوَّغت للغاصبين ركوب مطايا الكذب والخداع للأمة ثم الانقلاب عليها من كثير من نوابها الذين عُرفوا بسب الدين لها، والمجاهرة باسترخاص دماء الغيارى منها. ثم اعتماد التعذيب سبيلا ومنهجا لإخراصها عن كرامتها وترويعها عن حقوقها .
مِحَنٌ تكابدها مصر من بعض أبنائها الذين ولوا الأمور فيها فساروا فيها بأقبح سيرة ، محن لا سابقة لها ،ضاع فيها كل شرف، والشرف هو معنى الإنسانية وخصيصتها في الإنسان، الشرف الذي هو الضمان السلمي لأداء الحق، واستقامة المعاملة ، فإذا انتفى هذا الشرف- وقد كان- لم يبق لضمان الحياة والحق إلا القوة الحيوانية، تلك القوة التي لا عقل لها ، ولا ضابط لهيجانها ولا كابح لها عند ثورانها، وهذه " قاز غزستان" لا تزال شاخصة للعيان بأحداثها التي لا تهدأ إلا لتعاود فورانها .
ألا فلتعلم الأمة – بعد اللجنة التي كذبت في دم سعيد خالد- أن الكذب مفتاح كل رذيلة ، وباب كل جريمة، كما قال صلى الله عليه وسلم " إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا "
وإن من معنى هذا الحديث انقطاع الطمع في صلاح الكاذب ورشاده ، فليس له إلا النار، وبخاصة إذا كان في الناس ذا مكانة ومنصب، إنه و الحال كذلك يكون هو بسلطانه مؤجج نيران الفتن المستكنة، وموقد نيرانها الغافية ، مما يستوجب المنابذة والنهوض له حتى لا تدخل الأمة مدخله، وتعاقب بجريمته .
وهل هناك من فجور أعتى من فجور استرخاص الدماء، والاستهانة بالأعراض ؟ دماء وأعراض العامة والخاصة ؟ هذا الفجور الذي طاردها في البر، والبحر، والجو، فلم تجد لها منه صريخا ولا منقذا أو منصفا !!
يا قومنا :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى حمارا قد وُسم في وجهه فقال :" لعن الله من فعل هذا" وهذا حديث صحيح أخرجه أحمد وعبد الرزاق في مصنفه على شرط الشيخين.
يا قومنا : حمار قد وُسِم - أي عُلِّم بالكي في وجهه- لعن الله على لسان رسوله من فعل هذا به ، والملعون مطرود من رحمة الله لا يصلح لرئاسة ولا ينتفع به ،فكيف بمن عّذب أمما ، وروّع بيوتا بكل ألوان العذاب والترويع من تغريق، وتحريق، وتجويع، ونشر للرذيلة ، وتخريب كل نافع ، بل وإمداد عدونا بأسباب القوة والنعيم من أرضنا مع منعنا ونحن أصحابها منها ، ثم بعد ذلك يسبغ الحماية اليوم على قاتل خالد سعيد بتقرير لم تخف معالمه عن الصغير والكبير ، على مثل ما كان منه مع صاحب السفينة المجرم ممدوح والذين معه، وعلى مثل ما جاء من تقارير الانتخابات الأخيرة .
ألا يستحق مثل هذا المجرم أن يكون في اللعنة أخا للملعون صاحب الحمار؟ فيلعن بلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، ويطارد حتى لا يُرْكن إليه، ولا يوثق فيه، ولا يسكت عنه، ولا يترك بغير تفزيع وترويع .
يا قومنا:
إن ترك هذا المجرم الذي استحل أعراضنا، واسترخص حرماتنا بغير إنكار مناسب، إنكار يخلع قلبه ويزلزل أركانه تركه والسكوت عليه يجعلِ الأمة كلها في الإثم والجريمة شركاء له مع استحقاقها ما ينزل بها منه من مهانة وإهانة لن تنقطع حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ثم ما ينتظرها من سوء مصير عاجل بعد هذا الهوان والإهانة و مسبة من التاريخ تلحق الذراري ولا تنسى على الزمان أمر محقق . فقد اخرج أبو داود والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من امرئ يَخْذُلُ مسلما في موطن يُنتقصُ فيه من عِرْضِه، ويُنْتَهَكُ فيه من حُرْمَتِه إلا خذله الله في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصْرَته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن يُنْتَقَصُ فيه من عِرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته"
وعن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من أُُذِلَّ عنده مؤمنٌ فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذَلَّه الله عزَّ وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة" أحمد في المسند والطبراني في المعجم الكبير بإسناد حسن.
وإلى أصحاب التقرير الفاجر :
أخرج أبو داود وأحمد في المسند بأسانيد صحيحة عن المُسْتَورِدِ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أكل بِرَجُلٍ مسلم أَكْلَةً فإن الله يُطعمه مثلَها في جهنم ، ومن كُسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سُمْعةٍ ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة"
المصدر
ألا فليهنأ هؤلاء المجرمون بسعيرٍ مقيم وعذاب مهين قبله في الدنيا قبل عذاب الآخرة العظيم ، فإنهم لم يأكلوا بخالدٍ أكلة واحدة ؛بل إنها أكلات، ولم يُكسوا به كسوة واحدة ؛بل هي أكسية وكسوات للبنين والبنات ، لن يهنئوا بها والله كثيرا حتى تأتي عليهم خزيا وذلا وعارا ، فإن من سنن الله الماضية في خلقه أن " من أعان ظالما سلطه الله عليه" ولأبي داود، وابن ماجة،وأحمد والحاكم ،والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه : ألا أخبركم بخمس سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره، ومن أعان على خصومة بغير حق فهو مستظل في سخط الله حتى يترك، ومن قفا- رمى- مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال ، عُصارة أهل النار، ومن مات وعليه دين أُخِذ لصاحبه من حسابه، لا دينار ثم ولا درهم، وركعتا الفجر حافظوا عليهما "
ألا فليعلم الجميع أن جرائم التعذيب هي من الجرائم التي يعاجل الله أصحابها جميعا بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة، لقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي ممن يُعذِّبُ بالدهق – شدة الضرب- والدق، وتحريق الأعضاء، وكان – كما ذكر الإمام ابن كثير- كثير قتل النفوس التي حرَّمها الله بأدنى شبهة، قال فيه الشعبي " الحجاج مؤمنٌ بالجبت والطاغوت، كافر بالله العظيم" قال فيه هذا مع معرفته به وشهادته له بعظيم بلاغته ووافر علمه، لكن ما كان ليشفع له علمه مع وافر جبروته عند هذا الإمام الذي هو أحد كبار أئمة التابعين – رأى أكثر من ثمانمائة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بالجبارين الذين لا علم لهم ولا دين .
وقف هذا اللعين يوما خطيبا في الناس فكان من كلامه لهم : والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلَّت لي دماؤهم وأموالهم .!!
هل بعدت قوانين الطوارئ بأصحابها كثيرا عن هذا الفجور الذي استحق به صاحبه بقاء اللعن فيه وفي أمثاله من المجرمين؟
قال الإمام سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر : سألت إبراهيم- بن يزيد- النخعي عن لعن الحجاج أو بعض الجبابرة فقال : أليس الله يقول: ( ألا لعنة الله على الظالمين) ، كفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر الحجاج.
لقد كان من عاقبة أمره وأمر أهله أن لم يلبثوا طويلا حتى أناخ عليهم الزمان بكلكله، مرَّ هذا المجرم يوم جمعة بالسجون فسمع استغاثة منها، فقال لجنده الذين أبادهم الله بعده جميعا : ما هذا ؟ فقيل له : أهل السجون يقولون قتَلنا الحرُّ، فكان من طغيانه أن قال مجيبا : قولوا لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون !
ظن الفاجر في غروره أنه أصبح مثل الله جل جلاله في العظمة والجبروت بما مدَّ الله له وأمده فيه ، فتكلم بكلام الله الذي سيكون منه يوم يقوم الناس لرب العالمين – شأن كل جبار يطول عليه الأمد - .
قال الحافظ ابن كثير عقب هذا الحدث : فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعة حتى قصمه الله قاصم كل جبار ، فلما أخبر الإمام طاووس بن كيسان بهلاكه قرأ قوله تعالى :(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45)
قال حماد ابن أبي سليمان : لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح. وكان هلاكه ليلة السابع والعشرين من رمضان مات بواسط وعفي على قبره وأجري عليه الماء لكيلا ينبش ويحرق . [ البداية والنهاية 9/ 149] ، ثم قتل جميع الرجال من آله عام 97هـ بأمر سليمان بن عبد الملك تحت العذاب.
كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يقول فيه:" لو تخابثت الأمم جميعا فجاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم"
انفرد يوما هذا المجرم عن عسكره ، ومرَّ ببستاني ، فقال له: كيف حالكم مع الحجاج؟ فقال : لعنه الله، المبير المبيد ، الحقود الحسود، وعاء النقمة، مزيل النعمة، سافك الدماء بغير حلها، جاعل النساء أيامى، والصبيان يتامى، والروح معدوما، والإرث مقسوما، عجل الله منه بالانتقام ،وصرف معرَّته عن المسلمين؟
فهل ترك ذراريه فينا شيئا مما رمي به حتى نرجو لهم حصول شيء من خير لهم؟
لا والله ، لقد جمعوا كل رذائله مع حرمانهم مما عرف له من بعض خير كان فيه .
فاللهم إنا نجعلك فيهم مثل ما جعلك هذا البستاني فيه فلم تخذله، وعجلت سؤله.
أين المجرم نابليون وأين جيوشه ، هذا المجرم الذي افتتح عهده في مصر بقتل علمائها شر قتلة فجعل الله نهاية جيشه على يد الطالب سليمان الحلبي الذي تجهز له بأربعين قرشا جاء بها من غزة بعد أن فرَّ إليها من جرائم الفرنسيين الذين أغلقوا الأزهر بعدما قتلوا الكبار من شيوخه ، ومنها كانت السكين التي عقر بها الكلب العقور كليبر، ليلقي بعد ذلك من جيوش فرنسا ما لم يلقه مجاهد من مجرمين، حُرِّق يمينه بأمر المحكمة العسكرية، ثم قتلوه مخوزقا بالخازوق، فذهب سليمان بشرف الجهاد وكان عاقبة نابليون وحزبه خزي الدنيا الدائم لهم ولصبيانهم من غلمان وأدعياء الثقافة المتهوكين ( وفي الآخرة عذاب شديد) " يتقدمهم إ نشاء الله " كافر فرفور" لأن المرء مع من أحب"
وقد بلغ الشقاء من مجرمي النظام العراقي البائد أنهم كانوا يربطون خصومهم السياسيين كل أسير إلى سيارتين في اتجاهين مختلفين لتذهب كل سيارة بشطر بدن الأسير في اتجاه مضاد لأختها – على وفق ما كان يحدث في كركوك منذ عام 1958م [ عبود الشالحي موسوعة العذاب 7/ 62.] فأين العراق اليوم وأين آله الذين سكتوا عن هذا الهوان ؟ ثم أين مصر اليوم من بعض أيامها وخيراتها التي عرفت بها وكانت فيها سلة الغذاء للعالمين ؟
أين حمزة البسيوني قائد السجن الحربي الذي كان يقول لضحايا الثورة من مسجونيه : لو أتاني الله- جل جلاله- لحبسته هنا معكم في زنزانة، وأين صلاح نصر الذي استباح كل مُحَرَّم ومجرم في الأمة، وأرعب كل حُرٍّ في خلوته وعدَّ على الصغير والكبير أنفاسه بجهاز قال فيه كاهنهم " يعلم به السر وأخفى"؟ فأين هو الآن ، وأين المجرم بطرس غالي الأكبر الذي حكم على شباب دنشواي بالإعدام جريا في هوى أسياده من الإنجليز، أين هو الآن من مكانة من طهر مصر من رجسه الشهيد " إبراهيم الورداني" . وأين عبد العال سلومة؟ وأين صفوت الروبي ، وأين شمس بدران، وأين حكيم؟ وأين صلاح سالم وأخوه جمال قاضي محكمة الشعب الذي كان يطلب من حفظة القرآن الكريم أثناء المحاكمة أن يقرؤوا له القرآن الكريم مقلوبا؟ بل أينت الثورة كلها ورجالها وتلك بعض ثمارها الذاهبة بذهابها إن شاء الله عن قريب ؟
)فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44) صدر ن جبهة علماء الأزهر 12 من رجب الفرد 1431هـ الموافق 24 من يونية 2010م
المصدر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق